responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 158
وَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ، وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ اللَّمَّ مَصْدَرٌ جُعِلَ نَعْتًا لِلْأَكْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْفَاعِلُ أَيْ آكِلًا لَامًا أَيْ جَائِعًا كَأَنَّهُمْ يَسْتَوْعِبُونَهُ بِالْأَكْلِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: كَانُوا يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى إِسْرَافًا وَبِدَارًا، فَقَالَ اللَّهُ: وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا أَيْ تُرَاثَ الْيَتَامَى لَمًّا أَيْ تَلُمُّونَ جَمِيعَهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْ يَأْكُلُونَ نَصِيبَهُمْ وَنَصِيبَ صَاحِبِهِمْ، فَيَجْمَعُونَ نَصِيبَ غَيْرِهِمْ إِلَى نَصِيبِهِمْ وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يَبْقَى مِنَ الْمَيِّتِ بَعْضُهُ حَلَالٌ، وَبَعْضُهُ شُبْهَةٌ وَبَعْضُهُ حَرَامٌ، فَالْوَارِثُ يَلُمُّ الْكُلَّ أَيْ يَضُمُّ الْبَعْضَ إِلَى الْبَعْضِ وَيَأْخُذُ الْكُلَّ وَيَأْكُلُهُ وَثَالِثُهَا: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الذَّمُّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْوَارِثِ الَّذِي ظَفِرَ بِالْمَالِ سَهْلًا مَهْلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرَقَ فِيهِ جَبِينُهُ فَيُسْرِفَ فِي إِنْفَاقِهِ وَيَأْكُلَهُ أَكْلًا لَمًّا وَاسِعًا، جَامِعًا بَيْنَ أَلْوَانِ الْمُشْتَهَيَاتِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ والأشربة والفواكه، كما يفعله الوراث البطالون.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا فَاعْلَمْ أَنَّ الْجَمَّ هُوَ الْكَثْرَةُ يُقَالُ: جَمَّ الشَّيْءُ يَجُمُّ جُمُومًا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ شَيْءٌ جَمٌّ وَجَامٌّ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو جَمَّ يَجُمُ أَيْ يَكْثُرُ، وَالْمَعْنَى: وَيُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا كَثِيرًا شَدِيدًا، فَبَيَّنَ أَنَّ حِرْصَهُمْ عَلَى الدُّنْيَا فَقَطْ وَأَنَّهُمْ عَادِلُونَ عَنْ أَمْرِ الآخرة.

[سورة الفجر (89) : الآيات 21 الى 23]
كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23)
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: كَلَّا رَدْعٌ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْكَارٌ لِفِعْلِهِمْ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ هَكَذَا فِي الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَقَصْرِ الْهِمَّةِ وَالْجِهَادِ عَلَى تَحْصِيلِهَا وَالِاتِّكَالِ عَلَيْهَا وَتَرْكِ الْمُوَاسَاةِ مِنْهَا وَجَمْعِهَا مِنْ حَيْثُ تَتَهَيَّأُ مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَامٍ، وَتَوَهَّمَ أَنْ لَا حِسَابَ وَلَا جَزَاءَ. فَإِنَّ مَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ يَنْدَمُ حِينَ لَا تَنْفَعُهُ النَّدَامَةُ وَيَتَمَنَّى أَنْ لَوْ كَانَ أَفْنَى عُمْرَهُ فِي التَّقَرُّبِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْمُوَاسَاةِ مِنَ الْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ يَوْمٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتٍ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ ذَلِكَ التَّمَنِّي وَتِلْكَ النَّدَامَةُ.
الصِّفَةُ الْأُولَى: مِنْ صِفَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَوْلُهُ: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا قَالَ الْخَلِيلُ: الدَّكُّ كَسْرُ الْحَائِطِ وَالْجَبَلِ وَالدَّكْدَاكُ رَمْلٌ مُتَلَبِّدٌ، وَرَجُلٌ مِدَكٌّ شَدِيدُ الْوَطْءِ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الدَّكُّ حَطُّ الْمُرْتَفِعِ بِالْبَسْطِ وَانْدَكَّ سَنَامُ الْبَعِيرِ إِذَا انْفَرَشَ فِي ظَهْرِهِ، وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ وَمِنْهُ الدُّكَّانُ لِاسْتِوَائِهِ فِي الِانْفِرَاشِ، فَمَعْنَى الدَّكِّ عَلَى قَوْلِ الْخَلِيلِ: كَسْرُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ جَبَلٍ أَوْ شَجَرٍ حِينَ زُلْزِلَتْ فَلَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِهَا شَيْءٌ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُبَرِّدِ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا اسْتَوَتْ فِي الِانْفِرَاشِ فَذَهَبَتْ دُورُهَا وَقُصُورُهَا وسائر أبنيتها حتى تصير كالصحرة الْمَلْسَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تُمَدُّ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّكْرَارَ فِي قَوْلِهِ: دَكًّا دَكًّا مَعْنَاهُ دَكًّا بَعْدَ دَكٍّ كَقَوْلِكَ حَسِبْتُهُ بَابًا بَابًا وَعَلِمْتُهُ حَرْفًا حَرْفًا أَيْ كُرِّرَ عَلَيْهَا الدَّكُّ حَتَّى صَارَتْ هَبَاءً مَنْثُورًا. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّدَكْدُكَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنِ الزَّلْزَلَةِ، فَإِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زَلْزَلَةً بَعْدَ زَلْزَلَةٍ وَحُرِّكَتْ تَحْرِيكًا بَعْدَ تَحْرِيكٍ انْكَسَرَتِ الْجِبَالُ الَّتِي عَلَيْهَا وَانْهَدَمَتِ التِّلَالُ وَامْتَلَأَتِ الْأَغْوَارُ وَصَارَتْ مَلْسَاءَ، وَذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاضِ الدُّنْيَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ [النَّازِعَاتِ: 6، 7] وَقَالَ: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً [الْحَاقَّةِ: 14] وَقَالَ: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا، وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا [الْوَاقِعَةِ: 5] .

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 158
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست